الجمعة، 6 يونيو 2014

القاطرة و المقطورة


 قرأت مرة منذ مدة طويلة جدا ان عدد خريجي الجامعات في الهند يتجاوز عدد سكان بريطانيا. و اعلم ان عدد جملة الماجستير و الدكتوراه في مصر يتجاوز المليون. و عندما ذهبت الى اوروبا اول مرة قبل نحو اربعين سنة لفت نظري الهيبيون من الشباب و الاباحية التي جعلتني افكر ان هذه الامم في طريق الانحدار. و عندما ذهبت الى امريكا و بدت لي وحشية الرأسمالية و العنصرية وانعدام الامن في المدن الكبرى و ا...لفروق بين الناس و اعداد المشردين و متعاطي الماريجوانا ظننت ان هذه البلاد على وشك الانهيار.
ثم اني من خلال عملي في تنمية الموارد البشرية بدأت ادرك ان مسألة التقدم في أي بلد يمكن تشبيهها بالقاطرة و المقطورة. القاطرة هي القوة المحركة الساحبة و تتمثل بامكانيات التقدم و اهمها البشر، بل هم البشر القادرين على تطويع الموارد الاخرى ان وجدت أو لم توجد. اما المقطورة فهي نسبة الاعالة من الناس غير المنتجة او المعوقة للحركة و هم كثر.
و لنفرض ان لدينا محركا صغيرا من افضل الانواع هو القاطرة و مقطورة ثقيلة فالأرجح ان المحرك سيهلك و القاطرة لن تتقدم الا قليلا. المعادلة واضحة، القاطرة يجب ان تكون قادرة على التفوق على المقطورة لكي تتقدم و كلما خفت المقطورة كلما امكن زيادة سرعة التقدم.
قاطرة التقدم في الامم هم البشر القادرين على الانتاج و مصانع البشر و مجالات التمية هي الجامعات و مراكز البحث و الدراسات وحضارة حرية التفكير و العمل و المنافسة و تقدير الانتاج . اما المقطورة فهي مجموع الناس من المنتجين و غير المنتجين و معوقي الانتاج.
ماالذي جعل امما تتقدم و لم تك شيئا يذكر في خلال القرن الاخير؟ امريكا و اليابان ثم كوريا و تايوان و الان تبرز الصين و الهند و البرازيل ؟ القاسم المشترك الاعظم هو الجامعات و مراكز البحث و الدراسات وحضارة حرية التفكير و العمل و المنافسة و تقدير الانتاج.
اما نحن فاننا ، و بكفاءة منقطعة النظير، نتخلص من النخبة الذكية المنتجة و التي هي القاطرة بالتصدير الى من يقدرها او نقتلها ماديا او معنويا اذا اصرت على البقاء. المهم المحافظة على نسبة ال99%.
العلم يبني بيوتا لا عماد لها و الجهل يهدم بيوت العز والكرم

الخميس، 6 مارس 2014

في التنمية، الى متى ننفخ في القربة المقطوعة؟

في التنمية، الى متى ننفخ في القربة المقطوعة؟ ما ان تولى محمد سعيد باشا حكم مصر، (1822 - 1863)، حتى قام بإغلاق المدارس العليا التي أنشأها والده محمد علي باشا، وقال في تبرير ذلك: "أمة جاهلة أسلس قيادة من أمة متعلمة". ولعله استنتج ذلك من اقامته في باريس حيث اطلع على مصاعب الحكم الديموقراطي مقارنة بالاستبدادي. ومات الرجل ولم تمت نظريته بل تم تطويرها وحلت محلها المعادلة السحرية وهي إطلاق التعليم ولكن بالقدر والكيفية التي تحقق مصلحة النظام الحاكم او بالأحرى من وراء النظام من جهات محلية او استعمارية او مختلطة. و غلفت المقاصد و المحاذير بدعاوي نبيلة من قبيل المحافظة على الهوية و التراث و الدين و بما يحقق التقدم الخ.. النتيجة بعد ما يقرب من مئتي عام على مشروع محمد علي باشا الحضاري هي ما نرى من اتساع الفجوة الحضارية والعلمية والتقنية بالنسبة للعالم المتقدم عامة واعداءنا خاصة وعلى مختلف الأصعدة. الحصيلة هي التخلف النسبي. اننا شعوب متخلفة لمجموعة من الأسباب التي تحتاج الى قوة مضادة قادرة على التغلب على قوى التخلف وعمل فائض للتقدم. هذه القوة التقدمية هي الكوادر المؤهلة بالعلم والفكر والمبادئ اللازمة لتحقيق التقدم المرغوب. لقد أدركنا هذا منذ وقت بعيد ولكننا ما زلنا غير قادرين على تكوين الكتلة الكافية من الكوادر المطلوبة كما ونوعا. طبعا لدينا كفاءات ممتازة ولكنها ليست كافية لقيادة القاطرة الثقيلة. ومما يزيد الطين بلة ان الكثير من هذه الكفاءات تتسرب الى حيث تجد نفسها في العالم المتقدم فنخسرها نحن ويفوزون بها هم. لماذا لم يستطع التعليم الموجود تكوين الكوادر اللازمة ؟ و ما هو التعليم المطلوب للتقدم؟. الاساس هو فلسفة التعليم وهذا مرتبط بالنظام السياسي والاتجاهات الاجتماعية. فمازال الهدف العام من التعليم الاساسي لدينا هو اتقان القراءة والكتابة والحساب والالمام ببعض العلوم الدينية والطبيعية وبعض التاريخ مفترضين ان هذا سيوسع مدارك الطفل ويجعله قادرا على مواصلة مسيرته العلمية او المهنية بهذه المهارات والمعارف الاساسية. لقد دلت الدراسات على ان المعدل العام لذكاء مجموعة الاطفال المصريين الذين خضعوا للدراسة على مدى ستة اعوام قد انتكس بمعنى ان التعليم قد ادى الى نتائج عكسية. ان طلب العلم حاجة مستمرة للإنسان أي انسان وانه سيسعى لامتلاك المهارات الضرورية له بكل قوة وعزيمة من ذاته عند اللزوم. انظر الى المزارع او الصانع او حتى الخارج عن القانون الذي يتابع تعليم نفسه بنفسه بدون مناهج جيدة كانت او سيئة. المطلوب يا سادة ان يتعلم الطفل كيف يتعلم؟. كيف يفكر؟. المطلوب ان نعزز حرية الفكر التي فطرنا الله سبحانه عليها. اما ما يجري عندنا فعلا فهو منهاج متعمد لتقييد حرية الفكر بالتحفيظ وكثرة المقدسات غير الخاضعة للنقاش بل المحرم نقاشها مما لم ينزل الله به من سلطان. المطلوب هو نظام تعليمي يشجع الطفل على المناقشة والبحث الذاتي والتعلم. وهو ما لن يتأتى بتقديس الأشخاص والتفسيرات وحتى الاشعار او تلقين دروس التاريخ بدون نقاش وخاصة التاريخ المعاصر غير المتفق عليه اصلا. وتمجيد الحكام شرطا للنجاح. التعليم طبعا يحتاج الى امكانيات مادية وادارية قادرة على التخطيط والتنفيذ والمراجعة والى حوافز لجذب وتدريب المعلمين والموجهين الاكفاء ولكن الاهم هو اجواء الحرية والتركيز على حرية الفكر واساليب البحث الاساسية لاكتساب مهارات التعلم المستمر. كل المختصين يعرفون هذا و اكثر و لكن المعرفة شيء و الممارسة شيء آخر. حرية الفكر تحتاج الى تنشئة على ذلك في بيئة حرة وهذا هو بيت الداء. وبدون ذلك فإننا كمن ينفخ في قربة مقطوعة