الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

الامية السافرة و الامية المقنعة في العالم العربي

الجاهل حقا هو من استطاع القراءة و الكتابة و لكنه لا يقرأ و لا يكتب. اما الذي لا يعرف القراءة و الكتابة فهو كالمعوق يمكنه التفوق بقوة الارادة.
تقبع الدول العربية في المراتب المتأخرة في كل المؤشرات العالمية و لن يكون الوقت بعيدا حتى نستحق مرتبة اكثر الدول تخلفا حتى بالمقارنة مع الدول الافريقية و غيرها وهي التي كانت بدائية الى عهد قريب
الاسباب الرئيسية الثلاثة للتخلف هي اولا افتقاد الحريات و على رأسها الحرية السياسية. و ثانيا ضعف المعارف و عصبها النظام التعليمي. و ثالثا تعطيل المرأة باعتبارها سلعة او عبء. و نتائج التخلف المباشرة هي الفقر و الجهل و المرض الجسمي و النفسي و افتقاد الامن و اليأس من المستقبل وهو ما نراه في مئات الملايين في العالم العربي و ما صرنا اليه من حلم اغلبية الشباب بالهجرة و لو القوا انفسهم بالبحر.
موضوعي اليوم هو الامية في العالم العربي و هي الكنز الاسترتيجي للانظمة الحاكمة و الانقلابات العسكرية التي تتكئ على كتلة الجهل الهائلة في مجتمعاتها.
تشير احصاءات اليونيسكو لعام 2017 ان معدل الامية السافرة في العالم العربي هو 27% بين البالغين اي اعلى بكثير من المعدل العالمي و هو 16%. و ان الاسوأ من العالم العربي هي للاسف دول اسلامية افغانستان و مالي و السنغال. و المؤلم حقا ان تكون نسبة الامية في الاناث وهن امهات المستقبل ضعف الذكور. و ان عدد الاميين في العالم العربي نحو 75 مليون. و هو نحو 10% من اجمالي الاميين في العالم .علما بان سكان العالم العربي هم نحو 5% فقط من سكان العالم كله.
المفارقة ان جامعة الدول العربية قد بحثت الامية في عام 1954 و انها تحتفل باليوم العربي لمحو الامية في 8 يناير منذ عام 1966 اي منذ كان عدد سكان العالم العربي كله اقل من عدد الاميين في العالم العربي اليوم.. وهذه الامية تكبر في المراكز الحضارية العربية او ذات الثقل السكاني و هي مصر و سوريا و العراق و المغرب و الجزائر و السودان و اليمن. و من المثير ان جهاز محو الامية في مصر كان دائما بقيادة عسكرية رفيعة من رتبة لواء فما فوق. بمعنى ايلائها الاهمية.
هذا عن الامية السافرة بمعنى عدم القراءة و الكتابة وهي اعاقة ادهى من العمى. فما بال الامية المقنعة بمعنى عدم الادراك و التطبيق حتى لو عرف القراءة و الكتابة بل حتى لو حصل على التعليم العالي؟؟
و للدلالة على ذلك هناك مؤشرات مخيفة عن عدد الكتب التي ينتجها العرب مقارنة بالامم الاخرى و عدد الكتب المترجمة سنويا و عدد الكتب التي يقرأونها سنويا و عدد البحوث المنشورة و عدد براءات الاختراع مقارنة بالامم الاخرى
ففي عام 2015 سجلت امريكا و الصين و اليابان اعلى الارقام في تسجيل براءات الاختراع و لكني اتوقف عند كوريا الجنوبية التي سجلت 20155 براءة اختراع بينما سجلت مصر 30 براءة و هي التي تحتوي على نحو مليونين من حملة الشهادات العليا. ام عن الكتب التي ينتجها العالم العربي خلاف الكتب المدرسية و الرسمية و الدعائية فلا تتجاوز 10 كتب لكل مليون بما فيها كتب الجن و تفسير الاحلام و الطبخ و الجنس بينما يصل عدد الكتب في العالم المتقدم الى 500 كتاب لكل مليون. و بالطبع فان قلة الكتب المنتجة مرتبطة بضعف القراءة. و لنسأل انفسنا كم كتابا ثقافيا غير التخصص نقرأه سنويا منذ التخرج بينما يقرأ الاوروبي 35 كتابا سنويا. و اتوقف هنا للتنوية بان المقصود هو كتب الادب و الفكر و ليس الكتب الدراسية و المهنية و الكتب المقدسة التي نقرأها عبادة.
الامية المقنعة هي الاسوأ لأنها الاكثر انتشارا و متفشية حتى في القيادات السياسية و المدنية و العسكرية التي تشكل حاضر الامة و مستقبلها.
قد يحتج بعضنا ان قلة الموارد هي سبب ضعف التعليم لدينا و المسألة اولوية استثمار. و لكني اقول ان تكاليف الامية اكبر بكثير. انظر فقط على سبيل المثال الى الفرق في النتائج بين الام المتعلمة و الام الجاهلة. و تقدر اليونيسكو بان كلفة الامية في العالم ب 1.1 تريليون دولار في سنة 2016 و هذا يعني ان كلفتها كانت في العالم العربي 100 مليار دولار  بما يساوي اكثر من مجموع ميزانيات التعليم في العالم العربي كله. والحقيقة ان المسألة ليست قلة موارد و لكنها متعمدة بدليل ان الاولوية تذهب الى الاجهزة العسكرية و الامنية وغيرها باكثر مما هو مخصص للتعليم و الصحة. و للمقارنة فان دولا متقدمة مثل المانيا و بريطانيا و كندا و سنغافورة و كوريا و حتى تركيا تنفق على التعليم اكثر مما تنفق على الدفاع بما يصل الى خمسة اضعاف
المشكلة ليست فقط بالتقتير على التعليم و البحث و لكنها ايضا بتصميم المناهج و فلسفة التعليم و اهدافه بحيث تكبح حرية التفكير و الابداع و الابتكار لدى الطالب فتنتج متعلما للقيام بعمل وظيفي على احسن الاحوال بدون ثقافة او فكر.
نعود الى اسباب التخلف الثلاثة الرئيسية لنرى ان كل منها يصب في الاخر. فافتقاد الحريات السياسية ادى الى عدم حصول التعليم على الاولوية التي ذهبت الى الاجهزة العسكرية و الامنية و غيرها و كذلك يؤدي الى تشويه المناهج و تزويرها بما يكبت حرية التفكير و الابداع . و ان عدم تمكين المرأة و التي هي المربي الاساس لرجال و نساء المستقبل يعني استمرار ضعف الشعوب وبالتالي استمرار تسلط الانظمة السياسية اياها القامعة للحريات و هكذا تكتمل الحلقة الشيطانية 

 Image may contain: 2 people, people sitting
Image may contain: people sitting
No automatic alt text available.