الاثنين، 13 مايو 2013

- العرض و المرض

قالوا لنا ان مثلث الفقر و الجهل و المرض هو مشكلتنا و انها حلقة شيطانية كل من اطرافها سبب للثاني او مغذ له. والحقيقة ان هذا المثلث هو نتيجة او عرض لمرض عضال حاولوا اخفاؤه عنا. و لان المرض الاصلي لم يعالج فقد كانت كل الجهود للتغلب على ذلك المثلث بمثابة مراهم و مسكنات و بقينا نراوح منزلتنا بالنسبة للأمم المتقدمة بينما استطاع غيرنا ممن كان و رائنا مثل اليابان وكوريا وتايوان و غيرها العبور و اجتياز المرحلة. مثلث المرض الحقيقي و اصل المشكلة هو غياب الحريات و تعطيل المرأة و النظام التعليمي الفاسد. غياب الحريات لا يؤدي فقط الى عدم الانتماء و تقييد القدرات و لكنه يؤدي الى نظام حكم ضعيف يعتمد القدرات العسكرية و الامنية و الارتهان للقوى الخارجية و سياسات الترضية الاجتماعية بما يفسد الادارة و الاقتصاد و يغير المعايير الطبيعية للمنافسة و الترقي. اما مشكلتنا المزمنة في تعطيل امكانيات المرأة فليست فقط في تعطيل نصف المجتمع و لكنها في تعطيل الجزء الفاعل في تنشئة النصف الثاني من المجتمع. فكيف يمكن لعبد ان يؤدب حرا؟ ألا ترى ان اضطهاد المرأة تقوده الامهات و المعلمات؟ و لو كان الرجل هو الخصم فمن هي مربيتة؟. انها مشكلة اجتماعية عميقة تعوق تقدم المجتمع ككل و لامناص من مواجهتها لحلها بكل الوسائل. و بداية الحل في المساواة بالقوانين و تأكيد الحقوق الانسانية المتساوية و العودة الى اصل الدين في تقدير المرأة و نبذ العادات البدوية و الجاهلية. وأخيرا نأتي الى نظام التعليم الفاسد. فالأجدر تسميته بآلية صنع الغباء و قد اثبتت دراسات موثوقة تراجع القدرات العقلية للأطفال ما بين الصف الاول الابتدائي و الصف السادس الابتدائي. و الحقيقة انه نظام فاسد فاشل على كل الاصعدة المالية و الادارة و المرافق و المناهج و الاهداف و الدليل على ذلك حصاده. فما زالت معدلات الامية عالية على الرغم من الزامية التعليم و مجانيته منذ اكثر من 60 عاما. وما زالت امكانيات الخريجين و انتاجيتهم اقل من اقرانهم في الدول المتقدمة او حتى خريجي بعض مؤسسات التعليم الخاص في نفس البلد. و ما زالت الاسر تنفق مبالغ اضافية هائلة لضمان تعليم افضل لأبنائها. و نظرة الى معدلات الكتب المؤلفة او المترجمة او المقروءه او معدلات الوصول الى الانترنت و المساهمة فيها او الابحاث المعتمدة او براءات الاختراع المسجلة او ارقى الجامعات او مراكز البحث العلمي و الانساني تدعو الى الاسى على انظمتنا التعليمية مهما فعلنا فلن نأخذ مكاننا في مقدمة الامم إلا بعلاج اصل المشكلة وهو غياب الحريات و تعطيل المرأة و النظام التعليمي الفاسد. الم يكن هذا ما رفع اجدادنا من قاع الامم الى مقدمتها ثم ردها الى اسفل سافلين مع مصادرة الحريات واختراع الجهات ذات السيادة و العودة الى الجاهلية في حكم المرأة و التعليم كما و جدنا عليه اباؤنا. و لا يقول قائل اننا بخير مقارنة بأمثالنا فلسنا بأقل من اكثر الامم تقدما ومنها من كانوا بالأمس ورائنا وصلوا قبلنا.

التعليم ثم التعليم ثم التعليم

المستقبل المرجو يبدأ من لحظة الاعداد له. ومستقبل الامة بشبابها و اطفالها. و ما زالت الادلة تتوارد ان الدول المتقدمة لا تصدر اية مواد خام بل ان جلها لا موارد لها غير مواردها البشرية. و هي الدول التي تتصدر قوائم دول العالم في مؤشرات التنمية البشرية و مستوى المعيشة و قلة الفساد و الاعلى انتاجية والأغنى و الاطول عمرا. و لا تقتصر هذه الدول على جنس معين او قارة معينة او حجم معين. فخذ على سبيل المثال اليابان و كوريا و سنغافورة و المانيا و سويسرا و كوستاريكا و الاوروغواي فبنظرة سريعة تجد ان العوامل المشتركة بينها هي الحرية و الديمقراطية وأنظمة و مؤسسات التعليم والبحث العلمي المتقدمة. انظر تقارير الامم المتحدة للتنمية البشرية. عملت لنحو 30 عاما في مجال تنمية الموارد البشرية اكثر من نصفها مع احدى المنظمات الدولية و ازعم انني دارس في هذا الميدان. للعدل اقول ان جهودا ضرورية و مقدرة تبذل في بناء المدارس و الجامعات و تجهيزها و تعيين كوادر الادارة و التدريس كما تبذل الجهود في مراجعة و تحسين المقررات الدراسية و طرق التدريس و التقويم و لكن الحصاد ما زال اقل من المأمول بكثير. فما زالت نسبة الامية في بلادنا اعلى من المعدل العالمي ناهيك عن الدول المتقدمة. ومازال انتاجنا المعرفي من حيث الكتب و البحوث و براءات الاختراع و التطبيقات في مستويات منخفضة جدا. وما زالت جامعاتنا في ذيل قائمة افضل الجامعات. و ما زالت انتاجية شبابنا المتعلم اقل من المرتجى إلا من رحم ربي. ومازال الشباب حتى المتعلمين منهم تتلاعب بهم امواج الطائفية و المذهبية و العشائرية في اسوأ جوانبها. وقد يجادل البعض بان انظمة التعليم هنا افضل من بلاد أخرى فأقول اننا نقارن بأفضل الامم. لا يمكننا التقدم بأنظمتنا الحالية فقد جربناها و النتيجة ما نرى و ما الحديث عنها رجما بالغيب. المستقبل يبدأ بمراجعة شاملة كما و نوعا. و الحقيقة ان النظام السياسي يكاد يكون اس المشاكل في اي مجتمع. فلا يوجد، حتى الآن، نظام سياسي فاضل ولكن بعض الانظمة اقل سوءا من سواها. فكلما زادت مساحة الحريات وتقلصت الحكومة زاد تقدم المجتمع و العكس صحيح. المطلوب اعطاء الاولوية للتعليم و الصحة و هو ما تفعله الاسر بشكل تلقائي و تتقبل تحمل اعبائه قبل غيره. ومع اهمية الكم فان النوع اكثر اهمية. اقصد نوعية التعليم الذي يؤدي الى تعميق و تنمية الاتجاهات و القيم في نفوس النشء وعلى رأسها الحرية و الاحترام و تقدير العمل و الانجاز و اطلاق القدرات و المواهب و المنهج العلمي في البحث و التطبيق. وهنا مربط الفرس. و لسنا مضطرين الى استيراد الانظمة الغربية بحذافيرها فلنبدأ بما هو موروث لنا في ديننا و تاريخنا. فلنغرز في النشء مفهوم الحرية و التحرر في الاسلام الاصلي و لنعلم النشء اخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ومواقفه و صحبه وأفعالهم وليس لحاهم و اثوابهم. ثم نرى ما يلزم محاربته من التواكلية و التعصبية العمياء و التقية و تحقير العمل و المرأة. و للأسف فعلى الرغم من الجهود التي يبذلها التربيون في تحسين التعليم فان النظام السياسي يأبى إلا ان يفسد التعليم في التدخل بالمناهج و نتائج الامتحانات العامة و انظمة قبول الطلبة و معايير تعيين المعلمين و المديرين و تقليص الميزانية و فرض البعثات و حجز المقاعد لفئات دون الاخرى بما يحقق المصالح العاجلة للنظام السياسي و لو كان في ذلك خراب البلد. ناهيك هن التدخل المخابراتي في انشطة الطلبة و انتخاباتها مما يفرغها من اهدافها

المعارف التربية التأديب

مر اكثر من نصف قرن على تغيير اسم وزارات المعارف في الدول العربية الى وزارات التربية و التعليم و احسب ان الهدف كان واضحا. وقد بالغت بعض البلاد في هذا الاتجاه فسمتها وزارة التربية فقط مثل سوريا بينما ابقت السعودية على اسم وزارة المعارف حتى عهد قريب. بداية فان كلمة التربية تعني لغة تربية الاجسام فنقول تربية المواشي او الدجاج او حتى النباتات. اما المقصود في حال البشر فهو التأديب فقد كان الكسائي مثلا مؤدبا لأبناء الرشيد. و لا اعرف لماذا تجنب المختصون استعمال هذه الكلمة لتأديب الصبيان و الفتيات بينما استعملوها خطأ في تأديب الكبار في السجون. صحيح ان هناك بعض التقدم ولكنه اقل بكثير من المأمول. الاغلبية شباب امي او شبه امي سطحي شكلي تتقاذفه امواج العشائرية و الجهوية و الطائفية..ملول عجول يحتقر العمل، إلا من رحم ربي. وللعدل نقول ان البيت و الحارة ووسائل الاعلام و الاتصال كلها تساهم في تعزيز و تنمية الاتجاهات لدى النشء ولكننا نركز هنا على دور المدرسة وهي الامل الباقي لنا للخروج من دائرة التخلف. و للحديث بقية.