المستقبل المرجو يبدأ من لحظة الاعداد له. ومستقبل الامة بشبابها و اطفالها. و ما زالت الادلة تتوارد ان الدول المتقدمة لا تصدر اية مواد خام بل ان جلها لا موارد لها غير مواردها البشرية. و هي الدول التي تتصدر قوائم دول العالم في مؤشرات التنمية البشرية و مستوى المعيشة و قلة الفساد و الاعلى انتاجية والأغنى و الاطول عمرا. و لا تقتصر هذه الدول على جنس معين او قارة معينة او حجم معين. فخذ على سبيل المثال اليابان و كوريا و سنغافورة و المانيا و سويسرا و كوستاريكا و الاوروغواي فبنظرة سريعة تجد ان العوامل المشتركة بينها هي الحرية و الديمقراطية وأنظمة و مؤسسات التعليم والبحث العلمي المتقدمة. انظر تقارير الامم المتحدة للتنمية البشرية.
عملت لنحو 30 عاما في مجال تنمية الموارد البشرية اكثر من نصفها مع احدى المنظمات الدولية و ازعم انني دارس في هذا الميدان.
للعدل اقول ان جهودا ضرورية و مقدرة تبذل في بناء المدارس و الجامعات و تجهيزها و تعيين كوادر الادارة و التدريس كما تبذل الجهود في مراجعة و تحسين المقررات الدراسية و طرق التدريس و التقويم و لكن الحصاد ما زال اقل من المأمول بكثير.
فما زالت نسبة الامية في بلادنا اعلى من المعدل العالمي ناهيك عن الدول المتقدمة. ومازال انتاجنا المعرفي من حيث الكتب و البحوث و براءات الاختراع و التطبيقات في مستويات منخفضة جدا. وما زالت جامعاتنا في ذيل قائمة افضل الجامعات. و ما زالت انتاجية شبابنا المتعلم اقل من المرتجى إلا من رحم ربي. ومازال الشباب حتى المتعلمين منهم تتلاعب بهم امواج الطائفية و المذهبية و العشائرية في اسوأ جوانبها.
وقد يجادل البعض بان انظمة التعليم هنا افضل من بلاد أخرى فأقول اننا نقارن بأفضل الامم.
لا يمكننا التقدم بأنظمتنا الحالية فقد جربناها و النتيجة ما نرى و ما الحديث عنها رجما بالغيب. المستقبل يبدأ بمراجعة شاملة كما و نوعا. و الحقيقة ان النظام السياسي يكاد يكون اس المشاكل في اي مجتمع. فلا يوجد، حتى الآن، نظام سياسي فاضل ولكن بعض الانظمة اقل سوءا من سواها. فكلما زادت مساحة الحريات وتقلصت الحكومة زاد تقدم المجتمع و العكس صحيح. المطلوب اعطاء الاولوية للتعليم و الصحة و هو ما تفعله الاسر بشكل تلقائي و تتقبل تحمل اعبائه قبل غيره.
ومع اهمية الكم فان النوع اكثر اهمية. اقصد نوعية التعليم الذي يؤدي الى تعميق و تنمية الاتجاهات و القيم في نفوس النشء وعلى رأسها الحرية و الاحترام و تقدير العمل و الانجاز و اطلاق القدرات و المواهب و المنهج العلمي في البحث و التطبيق. وهنا مربط الفرس. و لسنا مضطرين الى استيراد الانظمة الغربية بحذافيرها فلنبدأ بما هو موروث لنا في ديننا و تاريخنا. فلنغرز في النشء مفهوم الحرية و التحرر في الاسلام الاصلي و لنعلم النشء اخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ومواقفه و صحبه وأفعالهم وليس لحاهم و اثوابهم. ثم نرى ما يلزم محاربته من التواكلية و التعصبية العمياء و التقية و تحقير العمل و المرأة.
و للأسف فعلى الرغم من الجهود التي يبذلها التربيون في تحسين التعليم فان النظام السياسي يأبى إلا ان يفسد التعليم في التدخل بالمناهج و نتائج الامتحانات العامة و انظمة قبول الطلبة و معايير تعيين المعلمين و المديرين و تقليص الميزانية و فرض البعثات و حجز المقاعد لفئات دون الاخرى بما يحقق المصالح العاجلة للنظام السياسي و لو كان في ذلك خراب البلد. ناهيك هن التدخل المخابراتي في انشطة الطلبة و انتخاباتها مما يفرغها من اهدافها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق