الجمعة، 14 أغسطس 2015

فساد النظام التعليمي (1 مقدمة) و (2 المؤشرات ) و (3 اساءات متعمدة ) و (4 الانقاذ)

فساد النظام التعليمي (1)
مقدمة
ان كنت تدري فتلك مصيبة و ان كنت لا تدري فالمصيبة اعظم
اننا امة متخلفة بجميع المقاييس وان فجوة التخلف تزداد سنة بعد سنة. انظر الى تقارير الامم المتحدة و كل المنظمات الرصينة عن ترتيب الدول في جميع المجالات من مؤشرات التنمية البشرية الى جودة الانظمة التعليمية الى الشفافية و النزاهة الى السعادة الخ..و بدون تقارير انظر الى كثير من دول آسيا و امريكا اللاتينية التي كانت خلفنا و سبقتنا بمراحل من اليابان الى كوريا الى اليرازيل الى...
الاسباب الرئيسية للتخلف في الدول العربية عامة و منها الاردن هي غياب الحريات و فساد النظام التعليمي و امتهان المرأة و هي متداخلة يغذي بعضها بعضا.
و سأحاول في سلسة ملاحظات قصيرة ان اوضح ماذا اعني بفساد الانظمة التعليمية
اما الذي اثارني للكتابة اليوم هو بدء مهرجانامتحان الثانوية العامة (التوجيهي) في الاردن. و الحديث عن اعادة الهيبة له بفضل الوزير الهمام الذي لفت الانظار و صار مرشحا لرئاسة النظار. و لا ارغب هنا في الحط او الرفع من التوجيهي فقد صار احد ثوابت العائلة الاردنية (والعربية) وما هو الا اداة. انما اريد ان ابين الاهم وهو ماهية و مستوى النظام التعليمي و الذي يتم التغافل عنه باستعراضات كرنفالية.
مشكلة النظام التعليمي في الاردن (و في كل البلاد العربية) اعمق بكثير من امتحان الشهادة الثانوية العامة بل ان هذا الامتحان بشكله التقليدي هو احد اوجه تخلف انظمتنا التعليمية. و اهم مؤشر على فساد النظام التعليمي هو النواتج. هي حالنا البائس مقارنة مع غيرنا و الفجوة المتزايدة ليس مع العالم الغربي بل مع الدول النامية ايضا.
النظام التعليمي العام و العالي و توأمه البحث و الدراسات هو الذي يشكل مستقبل الامة. و هو مصنع التقدم او التخلف. وعلى الرغم من ضعف هذا النظام المزمن فاننا نترحم على ايام زمان التي انتجت ما نحن عليه من التخلف فما بالك في انظمة اليوم
فساد الانظمة التعليمية العربية ومنها الاردني هو فساد يكاد يكون متعمدا لا سيما عند التركيز على بعض القشور دون الجوهركما في حالة مهرجان امتحان الثاوية العامة. وعندما تكون ميزانيات الجيوش و اجهزة الامن اكبر من ميزانية التعليم. وعندما تكون وزارات الدفاع و الداخلية و الخارجية والاعلام اهم من وزارات التربية و التعليم العالي. وعندما يتم تعيين رؤساء الجامعات من خارجها ووو. ناهيك عن التدخل السياسي و الامني في المحتوى و الفلسفة و الهدف.
الحديث عن فساد الانظمة التعليمية يطول و له هنا بقية
فساد النظام التعليمي (2)
المؤشرات
النظام التعليمي هو المسؤول الاهم عن مستقبل الامة فهو مصنع رجال و نساء المستقبل. و إذا استمر الحال على ما هو عليه فانه ليس صعبا تصور مستقبل هذه الامة و مكانتها بين الامم
صحيح اننا تقدمنا خلال الخمسين سنة الماضية و لكن الفجوة مع العالم المتقدم قد زادت و ترتيبنا ما بين الدول قد تراجع بتقدم امم كثيرة كانت خلفنا.
النظام التعليمي نفسه يقاس بمؤشرات عديدة و هناك تقارير اليونيسكو صندوق الامم المتحدة للتنمية و تقارير منظمات عالمية معتبرة و كلها تعطينا نتائج غير مرضية . 
و يكفي ما نلمسه من قدرات طلابنا في المهارات الاساسية في الصفوف المختلفة. و من عدد الكتب التي يقرؤونها خارج المنهج. ومن تطبيقات الحواسيب التي يستعملونها. ومن قدر النشاطات الرياضية و الفنية و الاجتماعية و اليدوية التي يبدعون فيها او يشاركون فيها. 
كنا منذ اكثر من 50 عاما قد غيرنا اسم وزارة المعارف الى وزارة التربية و التعليم فكم من التربية يحصل علية الطالب و ماهية هذه التربية. ماهي الاتجاهات و القيم المكتسبة؟ ما هي نظرة الطالب للعمل و الإنتاج و قيم العدل و الحرية و الكرامة والصدق و الشرف؟ 
و على مستوى التعليم العالي كم جامعة لدينا ضمن افضل 500 جامعة او حتى 1000 جامعة في العالم. هل تعلم ان كليات الحقوق في مصر تقبل ادنى المعدلات؟. و ان في كلية حقوق عين شمس 50000 بها طالب فيما لا يتسع ل 1000 طالب وذات الشيء عن جامعة القاهرة و لعل هذا يقرب للقارئ تعبير "القضاء الشامخ" بمصر.
كم عدد الجمعيات التي يشارك فيها كل طالب في الجامعة
كم عدد البحوث لكل طالب او مجموعة طلاب لكل فصل او لكل مادة؟
ماهي الممارسات الديموقراطية التي يزاولها الطالب؟
كم هم زوار المكتبات و كم كتاب ننتج في السنة و كم كتاب او قل كم صفحة يقرأها الفرد لدينا في السنة و ما هي العناوين التي يبحث عنها في الانترنت و ماهي التطبيقات التي يستعملها 
كم هي عدد براءات الاختراع المسجلة كل ألف من السكان في السنة 
ماهي نسبة الامية في بلادنا وما مقدار تحسنها خلال 50 سنة وما موقعنا بالنسبة للأمم الأخرى. و بالطبع فان هذه النسبة ناتجة عن التسرب او قصور النظام التعليمي
كل هذه النتائج ذات علاقة بالنظام التعليمي. فالنظام أي نظام ليس بالأعداد و لكن بالنتائج.
و اكرر ان جودة النظام التعليمي مرتبطة بالمخصصات ولكنها مرتبطة اكثر بالسياسات و الأولويات وإرادة التغيير. فكم من الدول التي تخصص ميزانيات هائلة للتعليم بلا نتائج و كم هي الدول متواضعة الإمكانيات التي استطاعت تحسين التعليم و تجاوز سلم التخلف . 
عملية الإصلاح تبدأ بادراك كمية التخلف التي نعيشها وأهمية التعليم في التقدم المنشود.
و للموضوع بقية لبيان الاساءات المتعمدة للنظام التعليمي. ثم الحلول المقترحة
فساد النظام التعليمي (3)
اساءات متعمدة
ان اهم مقومات التقدم في أي مجتمع هي مؤسساته التعليمية و مراكز البحوث و الدراسات فيه لأنها مصانع المستقبل.
بالطبع هناك جهود مخلصة لتحسين التعليم و على مستوى مهني، و لكن هؤلاء كمحرك صغير لآلة ضخمة. و الانكى من ذلك ان هناك جهود معوقة منها الثقافة الاجتماعية و بعص قيادات التعليم من أصحاب الأفكار القديمة او التطرف و المحافظين على التخلف و القيادات المتعبة. الا ان اكبر المشاكل هو الاساءات الرسمية المتعمدة للنظام التعليمي. و أقول متعمدة لانه ثبت ضررها و لا يماري فيها احد ومع هذا فانها مستمرة. أي انها تتم مع سبق الإصرار و الترصد. وفيما يلي بعضا منها: 
التعليم العام:
- عدم إعتبار رفع مستوى التعليم الأولوية في سياسة الدولة بسبب عدم استقرار النظام السياسي الناتج عن غياب الحريات و انفصال السلطة عن الشعب وضعف التعليم نفسه. أي انها دائرة مغلقة
- عدم اعطاء التعليم الاولوية في الميزانية العامة للدولة بل تقديم الجيش و الأجهزة الأمنية والاعلام وميزانيات كبار رجال الدولة و شركات الدولة الخاسرة. مثال: الخسارة الناتجة عن عدم كفاءة مصفاة البترول تسوي ميزانية التربية و التعليم في الأردن. 
- الاهتمام بالقشور دون المشاكل الحقيقية مثل مهرجانات امتحان الثانوية العامة. و ترويج الاخبار الإيجابية الجزئية والمنقوصة عن حالة النظام التعليمي
- عدم وجود مراكز متخصصة في بحوث التعليم و قلة الدراسات التي تبحث واقع التعليم ومستقبله و سبل تحسينه
- ضعف او انعدام المشاركة المجتمعية في وضع المناهج ومتابعتها
- بناء مناهج التاريخ و الدين و اللغة على الرواية الضيقة ومن زاوية واحدة حدية ابيض او اسود 
- التباطؤ في تحديث المناهج العلمية 
- التخلف في استعمال الانترنت ووسائل التعلم و البحث الالكترونية
- الزام الطالب و المعلم التقيد بالمنهج المكتوب و الاقتصار عليه و جعل نظام العلامات مرتبط بذلك
- ضعف التجهيزات المدرسية
- ضعف تأهيل المعلمين و أسس الانتقاء و المكافأة و الترفيع. هل سمعنا يوما عن مكافأة المعلمين الذين يحقق طلابهم نتائج جيدة حتى بمقياس التوجيهي مثلا. او عدم مراجعة المعلمين و المديرين للطلاب الراسبين.
- المنع العجيب لإقامة نقابة للمعلمين لعقود طويلة. ثم التضييق عليها بعد ذلك.
و يزيد على ذلك في التعليم العالي:
- التدخل في تعيين رؤساء الجامعات لاعتبارات سياسية و امنية و عشائرية وجهوية
- التدخل في سياسات القبول في الجامعات و البعثات في الداخل و الخارج. يكفي الإشارة الى ان 75% من المقاعد محجوزة ل 25% من الطلاب
- سياسات ترويج و رعاية العشائرية و العصبيات الجهوية في الجامعات
- ضعف دعم الجامعات بل و التخلف عن تسديد رسوم الطلاب المبتعثين من الجهات الحكومية ذاتها
- التدخل السياسي و الأمني في تعيين و ترفيع المدرسين عن طريق تعيين رؤساء الجامعات انفسهم
- التضييق على الأساتذة من ناحية الحرية الاكاديمية خاصة 
- أساليب الإدارة و ظروف العمل و الرواتب بحيث صارت الجامعات طاردة للكفاءات او غير قادرة على جذبها اصلا
- تسجيل واعتبار الجامعات الخاصة شركات تجارية هادفة للربح
- التدخل في انتخابات الطلبة. بحيث يعزف معطم الطلبة عن المشاركة فيها.
- تضخم اعداد الطلبة المقبولين في الجامعات العامة بقرارات سياسية بدون زيادة الموارد
- ضعف الارتباط ما بين الجامعة ومراكزها البحثية و السوق
و للموضوع بقية
فساد النظام التعليمي (4)
الإنقاذ
مستقبلنا كامة ودول قاتم و لا يحتاج ذلك الى تنبؤ. فالنطام التعليمي هو مصنع الاجيال يعني مصنع المستقبل.
اتحدث في هذا الموضوع بصفتي طالبا وابا ومعلما ومديرا ومختصا سنحت لي الفرصة للاطلاع والمقارنة عالميا. وفوق وقبل كل ذلك كانسان عربي مسلم غيور على هذه الامة ومؤمنا بانها تستحق مكانة أفضل بين الأمم.
النظام التعليمي في كل الدول العربية ما بين كارثي كما في مصر وضعيف كما في الاردن والدليل على ذلك ترتيبنا بين الأمم وتقدم الأمم التي كانت خلفنا. 
وكما بينا ان معظم أسباب تخلف النظام التعليمي معروفة وعلاجها معروف الا ان العلة الرئيسية هي في إدراك عمق وأهمية المشكلة واهم المعوقات والمعوقين ثم إعطائها الأولوية. 
بالطبع فان الموارد المادية هامة وهامة جدا الا ان الإدراك بأهمية التعليم في تشكيل الأجيال المقبلة وأولوية ذلك يسبق الموارد المالية. والدليل على هذا تصدر دول كانت فقيرة على دول غنية. تماما مثل ما نرى من نجاح عائلات فقيرة أعطت الأولوية لتعليم أبنائها نسبة لعائلات غنية لم تعط التعليم أولوية. 
اصلاح التعليم عملية مستمرة يجب ان تكون مشروعا قوميا تتكاتف فيها جهود المجتمع والدولة وهدفه تهيئة الأسباب لتكوين جيل كفؤ علميا وسلوكيا وقيما. جيل منتم منتج مبتكر قادر على البحث والاستقصاء والتفكير الحر المتوازن. يقدر الصدق والأمانة والجودة والحرية والكرامة والعدل والشرف ومكانة المرأة. و يجب ان لا يترك فيها القرار او التقدير لأي سلطة غير الشعب مباشرة.. 
وينبغي لمشروع اصلاح التعليم ان يشمل كل العناصر وهي أولا المناهج والقيم المستهدفة ثم الإدارة والمعلم والطالب والمدرسة والبيئة المؤثرة والاباء والأمهات.
وكما بينا ان كثير من أسباب تخلف التعليم هو المعوقات من سياسات وافراد. ولان المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين فيجب الانتباه الى ابعاد المعوقات والمعوقين عن العملية لان معظم الأسباب والحلول معروفة. ولا بأس من استقدام خبراء وخاصة من الدول الأولى في العالم مثل اليابان وكوريا وهونج كونج وفنلندا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق