الاثنين، 28 ديسمبر 2015

الحرية و الديموقراطية/ اصل الداء و الدواء



الحرية و الديموقراطية اصل الداء و الدواء (1)

اصل الداء

هناك اعراض و هناك امراض. و قد تتطور الاعراض الى امراض. و قد تكون بعض الاعراض اخطر من المرض ذاته. و لكن الحكمة دائما تقتضي بتعقب المرض الاصلي او جذر العرض.

الفقر و الجهل و المرض من اعراض التخلف التي تعاني منها معظم مجتمعاتنا. و هو دائرة شيطانية تغذي بعضها بعضا و لكنها تبقى اعراضا نتيجة للفساد و غياب الفرص و العدل. و هذه ايضا لها اسباب و هي التسلط و ضعف المعرفة و موروثات مثبطة معطلة اهمها تقديس الحكام و تعطيل المرأة.

هناك منظمات دولية محايدة و مؤسسات موثوقة تصدر مؤشرات لقياس جوانب كثيرة في المجتمعات و الدول مثل مؤشر التنمية البشرية و مؤشر الديموقراطية و الحرية و التعليم و العدل و الفساد و الشفافية و السعادة و غيرها و في كل تقرير وفي كل عام تجد ان اكثر من 90% من الشعوب العربية تقع تحت المتوسط العالمي او في ذيل قائمة دول العالم.

القاسم المشترك في كل الدول المتقدمة عنا هو الحرية و الديموقراطية و المعرفة و حرية المرأة بدرجاتها مع استثناءات لا يعتد بها مثل حصول بعض الدول الصغيرة جدا على مراتب عالية بسبب ارتفاع الدخل من البترول. وحتى هذه فان مواطنوها يتمتعون بامتيازات كثيرة.

في بلادنا العربية قضينا عقودا طويلة نحارب من اجل الحرية و الاستقلال و ما ان حصلنا عليها فاذا احزابنا و قادتنا الذين حملوا شعار الحرية ينكرونها علينا و يدعون اننا شعوب غير مؤهلة للديموقراطية و الحرية. ثم يقودننا الى التخلف و نحن نرى بام العين الامم و الشعوب الاخرى تتجاوزنا و بطريقة تكون واحدة وهي التحرر من حكم العسكر و الحكم الابوي و الانتقال الى المزيد من الديموقراطية و الحرية.
و للموضوع بقية

الحرية و الديموقراطية اصل الداء و الدواء (2)
لماذا؟
قد يقول قائل ان الديموقراطية نظام غريب علينا و انه مليء بالعيوب. و اقول اننا لسنا اكثر غربة عن العقل اليوناني من كوريا او الهند او اليابان مثلا. كما ان الديموقراطية ثقافة تنمو في الشعوب حتى تصبح جزءا من سلوكها. و صحيح ان الديموقراطية نظام مملوء بالعيوب و لكنه نظام حي و مجرب و ناجح في الوقت الذي لم تنجح البدائل بل و ماتت منذ زمان بعيد.
لاجدال ان بلادنا تفتقد الحرية بمعنى حرية التعبير و حرية الرأي و حرية العقيدة و حرية التنظيم السياسي و الاجتماعي و حرية النشاط الاقتصادي و المضمونة جميعا بالقانون و العدل و الامن. و تفتقد الى الديموقراطية وهي قدرة الشعب على انتخاب حكومته مباشرة او عن طريق ممثليه مع ضمان تساوي الفرص في الاختيار و امن الناخب و المرشح و عدم التدخل الخارجي و تحييد المال و الموارد العامة. و الحجة في ذلك اننا نحتاج الى الامن و التفرغ للبناء و التصدي للمشككين و الطابور الخامس و لكن ما هي النتيجة؟.
النتيجة ما نرى من اختلال العدل و الفرص المتساوية و الفساد و اهدار كرامة و حقوق الانسان و ضعف النخب القائدة للتقدم وهذا الاهم. و من ثم ضعف الانتاج نوعا و كما. و الامية العميقة حتى فيمن نعدهم متعلمين. و انتشار الامراض النفسية مثل التحاقد و التحاسد و السادية و المازوشية. و لجوء الناس الى الترحم على الاجداد و الماضي الجميل و انتظار الفرج، او اليأس او القاء النفس الى التهلكة في البحر الى الجنة الغربية او الى داعش لعل و عسى.
اما الحجة الادهى و التي يرددها عادة من استمرأ العبودية هي اننا شعب غير جدير بالحرية والديموقراطية. و اننا نحتاج الى سنين طويلة للتأهل لذلك. و ان من يطالب بالحرية و الديموقراطية ساذج سطحي او عميل غربي. وكأنما كل الديموقراطيات في العالم بدأت من القمة. و نسوا ان معظمها انطلق من اوضاع سيئة كوضعنا او اسوأ.
وللموضوع بقية 

الحرية و الديموقراطية اصل الداء و الدواء (3)
متى استعبدتم الناس وقد "خلقهم" الله احرارا
لقد خلق الله تعالى الانسان و علمه الاسماء و منحه العقل و الفؤاد و البصيرة . و في نفس الوقت اطلق ابليس في دوره المعروف.و ترك للانسان حرية التفكير والاختيار. و تقرأ في القرآن الكريم نحو مئة اية تؤكد على حرية الانسان حتى في الايمان بالله خالقه منها "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .." و "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..."و "ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" و "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين" و العديد العديد من الايات في موضوع حرية التفكير و الايمان
اما من حيث علاقة الانسان بالسلطة فان اول اركان الاسلام و اهمها ان لا اله الا الله محمد رسول الله و قد قضى الرسول صلى الله عليه و سلم نصف سنوات الدعوة الاولى و هو يدعو لهذا الركن فقط فلم تفرض الاركان الاخرى الا بعد السنة الحادية عشرة للدعوة. و لتأكيد اهمية هذا الركن فان الله يغفر الذنوب جميعا الا ان يشرك به و ان الشرك لظلم عظيم.
لا اله الا الله تعني الحرية المطلقة للانسان المؤمن فلا سلطان عليه الا الله و ان من "يظن" ان حياته ورزقه متوقفة على غير الله فقد اشرك بالله. و ان من يقدم مرضاة الحاكم او غيره على مرضاة الله فقد اشرك بالله. فهل بعد ذلك من حرية.
و ترك الله لنفسه الحساب و الثواب و العقاب الا من اعتدى على المجتمع المسلم فقد امر بقتاله حتى يدخل الاسلام او يتوقف عن القتال. و في حالة عدم الاعتداء فيترك على دينه كتابيا او غير كتابي.
و للموضوع بقية


الحرية و الديموقراطية/ اصل الداء و الدواء (4)
يتردد من بعض اليائسيين ان ما نشهده اليوم في العالم العربي و الاسلامي من قتل و خراب هو من طبيعة هذه الثقافة و هو ما درجت عليه امة الاسلام مذ وجدت. فهاهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين يموتون اغتيالا و هاهو التاريخ الدموي لأمة الاسلام بعد ذلك سواء كان دينيا او دنيويا ايام الامويين و العباسيين و المماليك و العثمانيين حتى يومنا هذا. و يحلو لهؤلاء الاستشهاد بعدد الخلفاء او الحكام الذين ماتوا قتلا و عدد العلماء الذين ماتوا تعذيبا.
اقول لهؤلاء ان هذا جزء من تاريخ الانظمة السياسية في كل انحاء العالم. و ماحدث في الشرق المسلم مثلا لايقارن بجزء صغير مما حدث في الغرب الاوروبي من الحروب و القتل لاسباب دينية او دنيوية فيما بينهم او مع غيرهم. و ما الحربين العالميتين الاولى و الثانية عنا ببعيدتين و قد دمرت فيها دول و امم و تجاوز ضحاياها خمسون مليونا من البشر. ناهيك عن حروبهم الشرسة السابقة و اللاحقة داخل اوروبا و خارجها. و ينطبق هذا ايضا على امم اسيا و افريقيا و امريكا.
القاسم المشترك في كل هذه الحروب هو ان احد طرفيها على الاقل نظام سياسي عسكري او ديكتاتوري او ابوي جاهل او عاقل يتخذ قراره لمجد يعتقده يدفع الشعب ثمنه.
و الملاحظ ان الشعوب الحرة تتردد في اتخاذ قرارات الحرب لانها ستدفع الثمن. و قد يقول قائل ان الامم الديموقراطية لم تتردد في شن الحروب لاستغلال و امتصاص الامم الضعيفة و هذا صحيح و لكنها ايضا انسحبت من هذه البلاد عندما بدأ الشعب يشعر بالثمن الي يدفعه.
و السؤال هو هل كان يمكن دخول العراق الحرب ضد ايران لو كان القرار بيد الشعب؟ و هل كان يمكن الاستمرار في تلك الحرب كل تلك المدة؟ و هذا ينطبق على كل ما لحق العالم العربي من مآسي منذ انفصال سوريا الى العداوة الطويلة مابين سوريا و العراق الى حرب لبنان الى حرب اليمن الى حرب الجزائر الى كامب ديفيد و بناتها اوسلو ووادي عربة الى الحرب على العراق مرتين الى حروب السودان الى حرب سوريا الى حرب ليبيا. انما نحصده هو نتيجة الاستبداد و اتخاذ القرارات من قبل افراد او اقليات تقامر بالبلاد و العباد.
الحرية و الديموقراطية هي اصل الداء و الدواء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق